[﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ٩]
البدع: بمعنى: البديع، كالخف بمعنى الخفيف، وقرئ: "بدعًا" بفتح الدال، أي: ذا بدع، ويجوز أن يكون صفة على "فعل"، كقولهم: دين قيم، ولحم زيم.
كانوا يقترحون عليه الآيات ويسألونه عما لم يوح به إليه من الغيوب، فقيل له: ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ فآتيكم بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات، فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم الله من آياته، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم، ولقد أجاب موسى صلوات الله عليه عن قول فرعون: ﴿فَمَا بَالُ القُرُونِ الْأُولَى﴾ [طه: ٥١]؟ بقوله: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [طه: ٥٢].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتصاف: "الكلام جرى فرضًا وتقديرًا، ومتى فرض الافتراء امتنع كونه ناصحًا، فلا مصلحة للمكلف في العمل بالمفترى، ويتم ذلك على قاعدة المعتزلة: أن العقل يصل إلى معرفة حكم الله تعالى، فيتصور النصح مع الافتراء، إذا أمر بالتوحيد مثلًا، ولو قال: حكم الله بوجوب التوحيد، وأنا رسول به، كان محقًا عندهم، وهي قاعدة باطلة. والجواب عن الآية عندنا أن إسناد ﴿تَمْلِكُونَ﴾ إليهم تنبيه بالشيء على مقابله بالمفهوم، أي: أن كنت مفتريًا وأنتم المحقون، فالعقوبة واقعة لا بد منها، ولا تقدرون على دفعها عني، وإن كنت محقًا وأنتم المفترون، فالعقوبة تقع بكم، ولا أقدر على دفعها عنكم، كقوله: ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ [هود: ٣٥] "، انتهى كلامه.
قوله: (دين قيم): أي: قائم، و"البدع" على هذا التقدير بمعنى: مبدع.
قوله: (ولحم زيم): روى الجوهري عن الأصمعي: "اللحم الزيم: المتفرق، ليس بمجتمع في مكان".


الصفحة التالية
Icon