جواب الشرط محذوف، تقديره: إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين. ويدل على هذا المحذوف قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
والشاهد من بني إسرائيل: عبد الله بن سلام، لما قدم رسول الله ﷺ المدينة نظر إلى وجهه، فعلم أنه ليس بوجه كذاب، وتأمله، فتحقق أنه هو النبي المنتظر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والشاهد من بني إسرائيل: عبد الله بن سلام، لما قدم رسول الله ﷺ المدينة): هذا القول بعد قوله: "وما أدري ما يفعل بي ولا بكم، أأترك بمكة أم أؤمر بالخروج إلى أرض": يوهم أن إحدى الآيتين نازلة بمكة، والأخرى بالمدينة، ومن ثم قال صاحب "الكواشي": "السورة مكية، إلا ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ الآية، وإلا ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥] الآية، ﴿ووَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١٥] ".
وروى محيي السنة عن بعض المفسرين: "أن الشاهد هو موسى بن عمران عليه السلام، قال مسروق في هذه الآية: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام، لأن آل (حم) نزلت بمكة، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة، والآية واردة في محاجة كانت من رسول الله ﷺ لقومه، ومثل القرآن: التوراة، فشهد موسى على التوراة، ومحمد ﷺ على القرآن، وكل واحد يصدق الآخر".
وروى محيي السنة أيضًا عن قتادة والضحاك: " أن الشاهد هو عبد الله بن سلام".
وقلت: دليلهما: أن قوله ﴿وشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ عطف على الشرط، فيكونان شرطين، وجواب كل منهما على البدل: فلا تكونوا ظالمين، يدل عليه قوله تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، والشرط لا يستدعي حصوله عند التكلم به، فتضمن الشرط الأول معنى الاستدراج والكلام المنصف، لأن كون القرآن من عند الله متيقن محقق، فلا يعلق بـ"إن" إلا لنكتة، واشتمل الشرط الثاني على معنى المعجزة والإخبار بالغيب، فلا تنافي شهادة عبد الله ابن سلام بالمدينة أن تكون الآية نازلة بمكة.