وقد جعل الإيمان في قوله: ﴿فَآمَنَ﴾ مسببًا عن الشهادة على مثله، لأنه لما علم أنّ مثله أنزل على موسى صلوات الله عليه، وأنه من جنس الوحي، وليس من كلام البشر، وأنصف من نفسه، فشهد عليه واعترف، كان الإيمان نتيجة ذلك.
[﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِمامًا وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِسانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ١١ - ١٤]
﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ لأجلهم، وهو كلام كفار مكة، قالوا: عامّة من يتبع محمدًا السقاط، يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود، فلو كان ما جاء به خيرًا ما سبقنا إليه هؤلاء. وقيل: لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار، قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع: لو كان خيرًا ما سبقنا إليه رعاء البهم. وقيل: إن أمة لعمر أسلمت، فكان عمر يضربها حتى يفتر، ثم يقول: لولا إني فترت لزدتك ضربًا، وكان كفار قريش يقولون: لو كان ما يدعو إليه محمد حقًا ما سبقتنا إليه فلانة. وقيل: كان اليهود يقولونه عند إسلام عبد الله بن سلام وأصحابه.
فإن قلت: لا بدّ من عامل في الظرف في قوله: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ﴾، ومن متعلق لقوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾، وغير مستقيم أن يكون ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ هو العامل في الظرف؛ لتدافع دلالتي المضي والاستقبال، فما وجه هذا الكلام؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا بد من عامل في الظرف): يعني: "إذ" لازمة الإضافة، وقد أضيفت إلى قوله: ﴿لَمْ يَهْتَدُوا﴾ فلا يعمل فيها، وأيضًا هي للمضي، فلا يجوز أن يكون العامل: ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾، للاستقبال، والفاء في ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ للاستقبال، والفاء في ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ تقتضي سببًا، ولا بد من البيان.