ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"كل"؛ لاشتماله على فريق المؤمنين الذين لهم الدرجات، وفريق الكافرين أصحاب الدركات، والمراد بالفريقين ما ذكرهما في قوله، والظاهر أن أحد الجنسين ما دل عليه قوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [الأحقاف: ١٣]، والآخر قوله: ﴿والَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ﴾ [الأحقاف: ١٧]، إذا ليس مما يقرب ذكره ويصلح لذلك غيرهما.
وأما تقرير التغليب: فهو أنه تعالى لما ذكر الفريق الأول، ووصفهم بثبات في القول، واستقامة في الفعل، ورتب عليه جزاءهم، وأوقع قوله: ﴿ووَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحْسَانًا﴾ [الأحقاف: ١٥] استطرادًا في البين، وعقب ذلك بذكر فريق الكافرين، ووصفهم بعقوق الوالدين، وبإنكارهم البعث، وجعل العقوق أصلًا في الاعتبار وكرر في القسم الأول الجزاء، وهو ذكر الجنة مرارًا ثلاثًا، وأفرد جزاء الكافر، وهو ذكر النار، وأخره بعد ذكر ما يجمعهما من قوله: ﴿ولِكُلٍّ دَرَجَاتٌ﴾، غلب "الدرجات" على "الدركات" لذلك.
فيه: أن لا شيء أعظم من التوحيد والثبات عليه، ثم بر الوالدين والإحسان إليهما، ولا شيء أفحش من عقوق الوالدين وإنكار الحشر، وفي إيقاع إنكار الحشر مقابلًا لإثبات التوحيد؛ الدلالة على أن المنكر معطل مبطل لحكمة الله في إيجاد العالم.
وهذا الترتيب الأفيق، والنظم الرصين: يوقفك على ضعف قول من قال: أن الآية في حق عبد الرحمن، روى محيي السنة عن الزجاج أنه قال: "قول من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه: يبطله قوله: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ﴾ الآية، لأنه تعالى أعلم أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب، وعبد الرحمن من أفاضل المسلمين، فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب".