ولك أن تجعل قوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ اعتراضًا بين ﴿أَنذَرَ قَوْمَهُ﴾ وبين ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾، ويكون المعنى: واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم، وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك، فاذكرهم.
[﴿قالُوا أَجِئْتَنا لِتَافِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَاتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ ٢٢]
الإفك: الصرف، يقال: أفكه عن رأيه، ﴿عَنْ آلِهَتِنا﴾ عن عبادتها، ﴿بِما تَعِدُنا﴾ من معاجلة العذاب على الشرك، ﴿إِنْ كُنْتَ﴾ صادقًا في وعدك.
[﴿قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ ٢٣]
فإن قلت: من أين طابق قوله: ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحال يجوز أن يكون من فاعل ﴿أَنذَرَ﴾، أي: أنذر قومه معلمًا إنذار الرسل قبله وبعده، أو من مفعوله، أي: أنذرهم وهم عالمون بإنذار سائر الرسل؛ إما بالمشاهدة أو بتعليمه إياهم.
وعلى أن تكون معترضة: المعنى: اذكر- يا محمد- إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب الأليم، واذكر أيضًا أنه قد أنذر من تقدمه من الرسل، ومن تأخر عنه مثل ذلك الإنذار، وإليه الإشارة بقوله: "فاذكرهم"، وإنما كرر "اذكر" لأن كلًا من المعترض والمعترض فيه مستقلان في القصد، بخلاف الحال.
وأما قوله: "ومعنى: ﴿ومِنْ خَلْفِهِ﴾ على هذا التفسير": فإشارة إلى تفسير ابن عباس؛ لأن ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ إذا فسر بالذين بعثوا في زمانه: يصح أن يقع إنذار بعضهم بعد إنذاره، وقوله تعالى: ﴿وقَدْ خَلَتِ﴾ - على الوجه الأول- جاء بلفظ الماضي، والمراد: الذين سيبعثون، على سنن الإخبار عن المستقبل بالماضي تحقيقًا له.
قوله: (من أين طابق): تحرير السؤال والجواب: كأنهم قالوا: أجئتنا لتصرفنا عن ألهتنا بما تعدنا من نزول العذاب، فمتى هذا الوعد؟ فأتنا بالموعود أن كنت صادقًا. فأجيبوا: إنما العلم عند الله لا يأتيه لوقته إلا هو، فكيف آتيكم به- كما قال-؟


الصفحة التالية
Icon