جوابًا لقولهم: ﴿فَاتِنا بِما تَعِدُنا﴾؟ قلت: من حيث إنّ قولهم هذا استعجال منهم بالعذاب، ألا ترى إلى قوله: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ [الأحقاف: ٢٤]، فقال لهم: لا علم عندي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم حكمة وصوابًا، إنما علم ذلك عند الله، فكيف أدعوه بأن يأتيكم بعذابه في وقت عاجل تقترحونه أنتم؟
ومعنى: ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ -وقرئ بالتخفيف- أن الذي هو شأني وشرطي أن أبلغكم ما أرسلت به من الإنذار والتخويف والصرف عما يعرّضكم لسخط الله بجهدي، ولكنكم جاهلون لا تعلمون أنّ الرسل لم يبعثوا إلا منذرين، لا مقترحين، ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه.
[﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ ٢٤ - ٢٥]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حكمةً وصوابًا): مفعول له، أي: ما أعلمني الله ذلك إلا لحكمة يعلمها الله، ومصالح لا أعلمها.
قوله: (وقرئ بالتخفيف): أي: "أبلغكم"، بالتخفيف: أبو عمرو، والباقون: بالتشديد.
قوله: (أن الذي هو شأني وشرطي): خبر، والمبتدأ هو: "معنى"، وقوله: "قرئ بالتخفيف" اعتراض، وقوله: "لا مقترحين ولا سائلين" بعد قوله: "لم يبعثوا إلا منذرين": نحو: ما زيد إلا قائم لا قاعد، وقد منعه صاحب "المفتاح"، وفيه إيذان بأن قوله: ﴿إنَّمَا العِلْمُ عِندَ اللَّهِ وأُبَلِّغُكُم﴾ جواب عن قوله: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَافِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَاتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾، وخلاصته: أن إتيان العذاب ليس إلي، وأن الذي علي وأنا مأمور به: تبليغ ما أرسلت به.


الصفحة التالية
Icon