وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به، وإذا رأى مخيلة: قام وقعد، وجاء وذهب، وتغير لونه، فيقال له: يا رسول الله، ما تخاف؟ فيقول: إني أخاف أن يكون مثل قوم عاد حيث قالوا: «هذا عارض ممطرنا».
فإن قلت: ما فائدة إضافة "الرب" إلى الريح؟ قلت: الدلالة على أن الريح وتصريف أعنتها مما يشهد لعظم قدرته، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده، وذكر الأمر وكونها مأمورة من جهته عز وعلا يعضد ذلك ويقوّيه.
[﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصارًا وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ ٢٦]
﴿إِنْ﴾ نافية، أي: فيما ما مكناكم فيه، إلا أنّ "إِنْ" أحسن في اللفظ؛ لما فيه مجامعة "ما" مثلها من التكرير المستبشع، ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في «مهما»: ماما، فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهاية: "المخيلة: موضع الخال، وهو الظن، كالمظنة، وهي السحابة الخليقة بالمطر، ويجوز أن تكون مسماةً بالمخيلة التي هي مصدر، كالمحبسة من الحبس".
قوله: (يعضد ذلك): أي: لعظم قدرته، فإن في إضافة "الرب" إلى "الريح" في قوله " ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ دلالةً على عظم شأنها، وأنها من جنود الله، ومما يستقيم أن ينسب إلى الرب سبحانه وتعالى، ثم دل ذلك على عظمة بارئها، وأن مثل هذا الشيء العظيم مملوك له، منقاد لتصرفه، ثم أكد هذا المعنى باقتران الأمر معه، تتميمًا لتعظيم من أضيف إليها، لأن المراد بالأمر: واحد الأوامر، فيكون استعارةً مكنية، شبهت- لكونها منقادةً لتكوين الله فيها ما يشاء، وأنها غير ممتنعة على الله- بالعقلاء المميزين، فلا يتوقفون لامتثال أوامره.


الصفحة التالية
Icon