ونحوه قوله عزّ وعلا: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ [نوح: ٣ - ٤]. فإن قلت: هل للجنّ ثواب كما للإنس؟ قلت: اختلف فيه: فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، لقوله: ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾، وإليه كان يذهب أبو حنيفة رحمه الله، والصحيح أنهم في حكم بني آدم، لأنهم مكلفون مثلهم.
﴿فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: لا ينجي منه مهرب، ولا يسبق قضاءه سابق، ونحوه قوله: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن: ١٢].
[﴿أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ٣٣]
﴿بِقادِرٍ﴾ محله الرفع؛ لأنه خبر "أن"، يدل عليه قراءة عبد الله: "قادر"، وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أوّل الآية على "أن" وما في حيزها. وقال الزجاج: "لو قلت: ما ظننت أنّ زيدًا بقائم، جاز. كأنه قيل: أليس الله بقادر؟ !، ألا ترى إلى وقوع ﴿بَلَى﴾ مقرّرة للقدرة على كل شيء من البعث وغيره، لا لرؤيتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقال الزجاج): وفي "كتابه": "دخلت الباء في خبر "أن" لدخول ﴿أَوَ لَمْ﴾ في أول الكلام، ولو قلت: "ظننت أن زيدًا بقائم" لم يجز، ولو قلت: "ما ظننت أن زيدًا بقائم" جاز؛ لدخول "ما"، ودخول "أن" إنما هو توكيد الكلام، فكأنه في تقديره: أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى".
قوله: (وقوع ﴿بَلَى﴾ مقررة للقدرة، لا لرؤيتهم): يعني: "بلى" كلمة إيجاب يجاب بها النفي، وقوله: ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْا﴾ فيه نفي، وهي ليست بمقررة له، لأن المعنى لا يساعد عليه، بل لقوله: ﴿بِقَادِرٍ﴾ من حيث المعنى، قال القاضي: " ﴿بَلَى﴾ تقرير للقدرة على وجه عام، ليكون كالبرهان على المقصود، كأنه تعالى لما صدر السورة بتحقيق المبدأ، أراد ختمها بإثبات المعاد".


الصفحة التالية
Icon