ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم إن المشار إليه بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾: إما معنى الآية الثالثة، أو الأولى والثانية. فالمعنى على الثاني: حالة أولئك البعداء عن الله في أن أعمالهم الحسنة ضلت وبطلت وصارت هباءً منثورًا، وحالة هؤلاء المقربون في أن أعمالهم السيئة اضمحلت وتلاشت، وما اكتفى بذلك، بل زيد إصلاح بالهم، كقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠]: من الصفات العجيبة الشأن التي يصح أن يكون موقعًا لضرب المثل، وتسير في الآفاق.
وعلى الأول: صفة الكفار في أنهم اتبعوا الباطل مع وضوح الحق فخابوا، وصفة المؤمنين في أنهم اتبعوا الحق ففازوا: من الأمثال. والأول أبلغ وأحسن.
فإن قلت: ترتب قوله: ﴿فَإذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ على القول السابق، وأن يفسر قوله: ﴿وصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بأن صدوا غيرهم، والمراد المطعمون يوم بدر: ظاهر، فما وجهه على القول الأول، وهو أن يفسر "صدوا" بـ "امتنعوا".
قلت: وجهه عليه أظهر؛ لأن المعنى: أيها المؤمنين، إذا ظهر أن تأسيس أمر الكفار على الباطل، وتأسيس أمركم على الحق، وقد اشتهر أن "الحق أبلج، والباطل لجلج"، فلا تبالوا بالكفار وباجتماعهم واستعدادهم، واعتمدوا على نصرة الله أهل الحق، وخذلانه أهل الباطل، وكونوا على بال من وعد الله أنه يصلح بال أهل الحق، ويضل أعمال أعدائهم، وإذا لقيتم الذين تحزبوا عليكم، فلتوجد منكم الغلظة والشدة بضرب الأعناق بلا توان وإمهال، ولذلك اختصر الفعل، واقتصر على المصدر المؤكد، وعبر عن القتل بـ"ضرب الرقاب"،


الصفحة التالية
Icon