[﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَاكُلُونَ كَما تَاكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ﴾ ١٢]
﴿يَتَمَتَّعُونَ﴾ ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا أيامًا قلائل، ﴿وَيَاكُلُونَ﴾ غافلين غير مفكرين في العاقبة، ﴿كَما تَاكُلُ الْأَنْعامُ﴾ في مسارحها ومعالفها، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح، ﴿مَثْوىً لَهُمْ﴾ منزل ومقام.
[﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ﴾ ١٣]
وقرئ: "وكائن" بوزن "كاعن" وأراد بالقرية أهلها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (غير مفكرين في العاقبة ﴿كَمَا تَاكُلُ الأَنْعَامُ﴾): فإن قلت: أين موقع التقابل بين هذه الآية وبين قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾؟ قلت: موقعه إيقاع ﴿يَتَمَتَّعُونَ ويَاكُلُونَ﴾ مقابلًا لقوله: ﴿وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وفيه إيماء إلى قوله صلوات الله عليه: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، أخرجه مسلم، يعني: أن الله عز وجل سيدخل الذين آمنوا وتفكروا، فعرفوا أن الدنيا ونعيمها في وشك الزوال، وأن الآخرة هي دار القرار، فحبسوا أنفسهم على طاعة الله وطلب مرضاته، وصبروا على مشاق التكاليف، وعزفوا عن ملاذ الدنيا وشهواتها، فكانت العاقبة جنات تجري من تحتها الأنهار، والذين كفروا لم يتفكروا في ذلك، فاشتغلوا بالدنيا عن الآخرة، وتمتعوا أيامًا قلائل يأكلون غافلين، والحال أن النار مثوى لهم.
أسند إدخال الجنة إلى الله، وأهمل إسناد النار، وخولف بين الجملتين فعليةً واسمية؛ للإيذان بسبق الرحمة، والإعلام بتصيير المؤمنين، والوعد بأن عاقبتهم أن الله يدخلهم جنات، وأن الكافرين مثواهم النار، وهم الآن حاضرون فيها، ولا يدرون، وكالبهائم يأكلون.
قوله: (وقرئ: "وكائن" بوزن "كاعن"): قرأها ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon