ولذلك قال: ﴿أَهْلَكْناهُمْ﴾ كأنه قال: وكم من قوم هم أشد قوّة من قومك الذين أخرجوك أهلكناهم، ومعنى "أخرجوك": كانوا سبب خروجك. فإن قلت: كيف قال: ﴿فَلا ناصِرَ لَهُمْ﴾؟ وإنما هو أمر قد مضى؟ قلت: مجراه مجرى الحال المحكية، كأنه قال: أهلكناهم فهم لا ينصرون.
[﴿أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ﴾ ١٤]
"من زين له": هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله، و"من كان على بينة من ربه"- أي: على حجة من عنده وبرهان، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات-: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ: "أمَّن كان على بينة"، وقال: ﴿سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا﴾ للحمل على لفظ "مَنْ" ومعناه.
[﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ﴾ ١٥]
فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ... كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾؟ قلت: هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والإنكار، لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الإنكار،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كأنه قال: وكم من قوم هم أشد قوة): قال مكي: " ﴿مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ مما حذف فيه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، أي: التي أخرجك أهلها، فحذف"الأهل"، فقام ضمير"القرية" مقامهم، فصار مرفوعًا ب"أخرج" واستتر فيه، وظهرت علامة التأنيث".
قوله: (لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار): الانتصاف: "لقد أحسن، وفي الكلام حذف لتتم المعادلة وتصح المقابلة، أي: مثل ساكن الجنة، كقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ


الصفحة التالية
Icon