ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَاجِّ... كَمَنْ آَمَنَ} [التوبة: ١٩]، أي: أهل سقاية، فيكون حينئذ تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالبينة وراكب الهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة والمعذب في النار، وهو من باب تنظير الشيء بنفسه باعتبار حالين، إحداهما أوضح بيانًا من الأخرى، فالمتمسك بالبينة هو المنعم في الجنة، والمتبع الهوى هو المعذب في النار".
وقلت: قد افتتحت هذه السورة الكريمة، ووسمت براعة استهلالها، بصيغة التقابل في الذين كفروا، وثني في أن الله يدخل الذين آمنوا؛ سلوك تلك الطريقة، وثلث في قوله: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ ذلك، وجعلت هذه الآية التي نحن بصددها متفرعةً على هذه القرنية بدلالة أداة التشبيه، وجعل المشبه والمشبه به بتمامه ممثلًا به، كما قرره صاحب "الانتصاف".
وإنما فصل بين الكلامين ليقع قوله: ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ﴾ استئنافًا، وذلك أن الكافر لما ألقي إليه نفي المساواة بين من هو على برهان من ربه، - وهو القرآن المعجز-، وبين من ركب متن الهوى واتبع الشهوات، كما قال: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ويَاكُلُونَ كَمَا تَاكُلُ الأَنْعَامُ﴾، وقدر أنه لعدم التفاته إلى هذا الإنكار بمنزلة من يصر على إنكاره، ويقول بالتسوية، فأوقع ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ﴾ إلى ساقته جوابًا إلى هذا الإنكار المتجدد، يعني: إنكاركم هذا يستلزم التسوية بين حالتي أهل الجنة والنار.
والنكتة في إيراد هذا الاستئناف: هي أن هذا من الأمور المقررة التي تثبت به الدعاوى؛ لظهور أدلته، وأدمج فيه معنى التعريض أنهم في هذا الإصرار ممن هو خالد في النار، وبأن الذي هو على بينة من ربه في جنات تجري من تحتها الأنهار.


الصفحة التالية
Icon