والمعنى: ما هو إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع، ولا آفة من آفات الخمر، ﴿مُصَفًّى﴾ لم يخرج من بطون النحل، فيخالطه الشمع وغيره، ﴿ماءً حَمِيمًا﴾ قيل: إذا دنا منهم شوى وجوههم، وانمازت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم.
[﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفًا أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ﴾ ١٦]
هم المنافقون، كانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيسمعون كلامه، ولا يعونه، ولا يلقون له بالًا تهاونًا منهم، فإذا خرجوا قالوا لأولي العلم من الصحابة: ماذا قال الساعة؟ على جهة الاستهزاء. وقيل: كان يخطب، فإذا عاب المنافقين خرجوا، فقالوا ذلك للعلماء. وقيل: قالوه لعبد الله بن مسعود. وعن ابن عباس: أنا منهم، وقد سميت فيمن سئل.
﴿آنِفًا﴾ - وقرئ: "أنفًا" على "فَعِل"-: نصب على الظرف،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والمعنى: ما هو إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع ولا آفة من آفات الخمر): كل هذا المعنى يعطيه الوصف بقوله: ﴿لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾ تعريضًا بخمور الدنيا، كقوله تعالى: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٧]، ويدل على التعريض تفسيره "المصفى" بقوله: "لم يخرج من بطون النحل، فيخالطه الشمع وغيره"، اعتبر فيهما معنى الوصف بإحدى صفتي الذات، وخصصهما، إذ لولا التعريض لم يفد فائدةً أخرى.
قال القاضي: "وفي ذلك مثل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا، بالتجريد عما ينقصها وينغصها، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها".
قوله: (وانمازت فروة رؤوسهم): الجوهري: "مزت الشيء أميزه ميزًا: عزلته وفرزته، وكذلك: ميزته تميزًا فانماز".
قوله: (أنفًا): قرأها ابن كثير.