﴿طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ كلام مستأنف، أي: طاعة وقول معروف خير لهم. وقيل: هي حكاية قولهم، أي: قالوا: طاعة وقول معروف، بمعنى: أمرنا طاعة وقول معروف، وتشهد له قراءة أبيّ: "يقولون: طاعة وقول معروف".
﴿فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾ أي: جدّ، والعزم والجد لأصحاب الأمر، وإنما يسندان إلى الأمر إسنادًا مجازيًا، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣]. ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ﴾ فيما زعموا من الحرص على الجهاد، أو: فلو صدقوا في إيمانهم، وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم.
[﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ﴾ ٢٢ - ٢٣]
عسيت وعسيتم: لغة أهل الحجاز، وأما بنو تميم فيقولون: عسى أن تفعل، وعسى أن تفعلوا، ولا يلحقون الضمائر، وقرأ نافع بكسر السين، وهو غريب، وقد نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات؛ ليكون أبلغ في التوبيخ.
فإن قلت: ما معنى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ... أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾؟ قلت: معناه: هل يتوقع منكم الإفساد؟ فإن قلت: فكيف يصح هذا في كلام الله عز وعلا، وهو عالم بما كان وما يكون؟ قلت: معناه: أنكم لما عهد منكم أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم، وعرف تمريضكم، ورخاوة عقدكم في الإيمان: يا هؤلاء ما ترون؟ هل يتوقع منكم -إن توليتم أمور الناس، وتأمرتم عليهم، لما تبين منكم من الشواهد، ولاح من المخايل- ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ﴾ تناحرًا على الملك وتهالكًا على الدنيا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "الكشف": ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ مبتدأ وخبر، وهو اسم التهديد والوعيد، كأنه قال: الوعيد لهم، و "أولى" غير منصرف، لأنه على وزن الفعل، وصار اسمًا للوعيد، وقول المفسرين: وليك شر فاحذر، لا يريدون به أن "أولى" فعل، وإنما ذاك تفسير على المعنى.
قوله: (تناحرًا): أي: تحارصًا وتهالكًا، تهالك على الفراش: سقط.


الصفحة التالية
Icon