كقوله تعالى: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إلى أن قال: } أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ} [الحجرات: ٢]، وعن أبي العالية: كان أصحاب رسول الله ﷺ يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، حتى نزلت: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾، فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم. وعن حذيفة: فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم. وعن ابن عمر: كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولًا، حتى نزل: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾، فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش، حتى نزل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ١١٦]، فكففنا عن القول في ذلك، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر، ونرجو لمن لم يصبها. وعن قتادة رحمه الله: رحم الله عبدًا لم يحبط عمله الصالح بعمله السيئ.
وقيل: لا تبطلوها بمعصيتهما، وعن ابن عباس: لا تبطلوها بالرياء والسمعة، وعنه: بالشك والنفاق، وقيل: بالعجب، فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وقيل: ولا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى.
[﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ ٣٤]
﴿ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ قيل: هم أصحاب القليب، والظاهر العموم.
[﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ﴾ ٣٥]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحاصل أنه من باب التغليظ والتقابل، ويؤيده تعقيبه بقوله: ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ﴾ بالفاء، وفصله بقوله: ﴿ولَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
قوله: (قيل: هم أصحاب القليب): أي: قليب بدر، وهم قريش.