﴿هؤُلاءِ﴾ موصول بمعنى: الذين، صلته ﴿تُدْعَوْنَ﴾، أي: أنتم الذين تدعون، أو: أنتم -يا مخاطبون- هؤلاء الموصوفون، ثم استأنف وصفهم، كأنهم قالوا: وما وصفنا؟ فقيل: ﴿تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قيل: هي النفقة في الغزو، وقيل: الزكاة، كأنه قيل: الدليل على أنه لو أحفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء واضطغنتم: أنكم تدعون إلى أداء ربع العشر، فمنكم ناس يبخلون به.
ثم قال: ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ﴾ بالصدقة وأداء الفريضة، فلا يتعداه ضرر بخله، وإنما يَبْخَلُ عَلى نَفْسِهِ، يقال: بخلت عليه وعنه، وكذلك ضننت عليه وعنه، ثم أخبر أنه لا يأمر بذلك ولا يدعو إليه لحاجته إليه، فهو الغني الذي تستحيل عليه الحاجات، ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو: أنتم- يا مخاطبون- هؤلاء الموصوفون): فعلى هذا فيه توبيخ عظيم، وتحقير من شأنهم لأجل الوصف بالبخل، قال في قوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة: ٨٥]: "هو استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء والعدوان، بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم.
والمعنى: ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون، يعني: أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرين؛ تنزيلًا لتغير الصفة منزلة تغير الذات" فالمعنى هاهنا: إنا فرضنا عليكم ربع العشر ليسهل عليكم، إذ لو طلبنا منكم جميع أموالكم لبخلتم وأظهرتم بغض الله ورسوله، والدليل عليه: أنكم- مع ذلك التسهيل- هؤلاء المشاهدون الموصوفون بأنكم تدعون إلى أداء ربع العشر، فمنكم ناس يبخلون به.
قوله: (يقال: بخلت عليه وعنه): وعن بعضهم: بخل عن نفسه: مضمن بمعنى البعد، أي: يبعد الخير عن نفسه على طريق البخل. ويمكن أن يقال: يصدر البخل عن نفسه، لأنها مكان للبخل ومنبعه، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ [الحشر: ٩].