أو أنزل فيها السكون إلى ما جاء به محمد عليه السلام من الشرائع، ﴿لِيَزْدادُوا إِيمانًا﴾ بالشرائع مقرونًا إلى إيمانهم، وهو التوحيد. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أوّل ما أتاهم به النبي ﷺ التوحيد، فلما آمنوا بالله وحده أنزل الصلاة والزكاة، ثم الحج، ثم الجهاد، فازدادوا إيمانًا إلى إيمانهم.
أو أنزل فيها الوقار والعظمة لله عزّ وجل ولرسوله، ليزدادوا باعتقاد ذلك إيمانًا إلى إيمانهم. وقيل: أنزل فيها الرحمة ليتراحموا، فيزداد إيمانهم.
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ يسلط بعضها على بعض، كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية، ووعدهم أن يفتح لهم، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه، ويشكروها، فيستحقوا الثواب، فيثيبهم، ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: أنزل فيها الرحمة): أي: في قلوبهم. فسر إنزال السكينة بوجوده: أولها: حصول الطمأنينة والأمن في قلوب المؤمنين بعد الخوف، ليتمكنوا مما يزيد به إيمانهم، فإن الخائف من العدو قلق مزعج. وثانيها: السكون إلى التوحيد، وهو مجرد التصديق، والازدياد بانضمام الأعمال الصالحة إليه، كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. وثالثها: حصول الوقار في القلب ليكون سببًا لقوة اليقين، كما قال عليه السلام: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]. ورابعها: الرحمة. والوجه المختار هو الأول، كما سيجيء.
قوله: (﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ﴾ [يسلط بعضها على بعض] كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكن): إِشارة إلى أن هاتين الفقرتين- أعني: ﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ - وردتا معترضتين بين العلة، وهي قوله: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ﴾، وبين معللها، وهو قوله: ﴿أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ﴾، ولذلك عممهما وجعل بعض قضاياهما إنزال السكينة والطمأنينة بسبب الصلح، والأمن في قلوب المؤمنين،


الصفحة التالية
Icon