فإن قلت: ما الفرق بين حرفي الإضراب؟ قلت: الأوّل: إضراب معناه: ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد،. والثاني: إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين، إلى وصفهم مما هو أطم منه، وهو الجهل وقلة الفقه.
[﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَاسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا أَلِيمًا﴾ ١٦]
﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ﴾ هم الذين تخلفوا عن الحديبية، ﴿إِلى قَوْمٍ أُولِي بَاسٍ شَدِيدٍ﴾ يعني: بني حنيفة قوم مسيلمة، وأهل الردّة الذين حاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلى وصفهم بما هو أطم منه): النهاية: "طم الشيء: إذا عظم، وطم الماء: إذا كثر".
الانتصاف: "الإضراب الأول هو المعروف، والثاني هو المستغرب المستعذب الذي ليس فيه مباينة بين الأول والثاني، بل زيادة تنبيه، ومبالغة متمكنة، والمنسوب إليهم ثانيًا أشد؛ فإنهم في الأول جهلوا شيئًا مخصوصًا بنسبتهم المؤمنين إلى الحسد، والثاني نسبتهم إلى الجهل المطبق".
وقلت: الإضراب الأول واقع في كلام المتخلفين، والثاني في كلام الله عز وجل، وقوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ المُخَلَّفُونَ﴾: أخبر الله تعالى أنهم سيقولون للمؤمنين: إذا ذهبتم إلى الغزو لا تمنعونا من متابعتكم، ومنعكم إيانا ذلك ليس من حكم الله، بل هو من عند أنفسكم؛ حسدًا أن نصيب من الغنائم شيئًا. ثم أضرب الله عن المجموع بقوله: ﴿بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ﴾، والحاصل أن ردهم حكم الله وإثباتهم الحسد كان من قلة التفكير وسوء الظن بالمسلمين، ودع ذلك، بل كان بجهل منهم وقلة عقل لما يلزم منه؛ إما رد حكم الله، أو نسبة التقول على الله والحسد إلى أولئك السادة، وإيثار هذه الأدنى على الحياة السرمدية. وفيه: أن الجهل غاية في الذم، وحب الدنيا ليس من شيمة العالم العاقل.


الصفحة التالية
Icon