فإن قلت: لخص الفرق بين الوجهين. قلت: تلخيصه: أن يقدر الفعل في الثاني مضمومًا إليه المفعول له، كأنهما شيء واحد، ثم يصب النهى عليهما جميعًا صبًا، وفي الأوّل: يقدر النهي موجهًا على الفعل على حياله، ثم يعلل له منهيًا عنه.
فإن قلت: بأي النهيين تعلق المفعول له؟ قلت: بالثاني عند البصريين، مقدرا إضماره عند الأوّل، كقوله: ﴿آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ [الكهف: ٩٦]، وبالعكس عند الكوفيين، وأيهما كان: فمرجع المعنى إلى أنّ الرفع والجهر كلاهما منصوص أداؤه إلى حبوط العمل.
وقراءة ابن مسعود: "فتحبط أعمالكم": أظهر نصًّا بذلك، لأنّ ما بعد الفاء لا يكون إلا مسببًا عما قبله، فيتنزل الحبوط من الجهر منزلة الحلول من الطغيان في قوله تعالى: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه: ٨١].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تلخيصه: أن يقدر الفعل في الثاني) إل آخره: تلخيصه ما قال صاحب" التقريب": "والفرق أن الفعل المهني معلل في الأول، والفعل المعلل منهي في الثاني"، وعن بعضهم: "إذا رفعتم حبطت أعمالكم، فالحبط نتيجة في الوجه الثاني، وفي الوجه الأول: ﴿أَنْ تَحْبَطَ﴾ تعليل للنهي لا للفعل نفسه، كأنه قيل: لم تنهانا؟ فقيل: خيفة حبط الأعمال، أو: لم لا نرفع؟ فقيل: أن تحبط".
قوله: (ثم يعلل له): الفعل سند إلى الجار والمجرور، والضمير المجرور للفعل، و"منهيًا" حالي منه، أي: يعلل الفعل حال كونه منهيًا عنه.
قوله: (في قوله تعالى: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾) يعني: قرأ الكسائي: "فيحل" بضم الحاء في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾، والمعنى: لا يكن منكم طغيان، فحلول غضب مني. وكذا ها هنا: لا يكن منكم رفع الصوت، فحبوط عمل مني.


الصفحة التالية
Icon