وقيل: أخلصها للتقوى؛ من قولهم: امتحن الذهب وفتنه: إذا أذابه، فخلص إبريزه من خبثه ونقاه. وعن عمر رضي الله عنه: أذهب الشهوات عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من قولهم: امتحن الذهب): فسر ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ بوجوه:
أحدها: أنه من الكناية التلويحية، عبر عن كونهم مغرقين في التقوى كاملين فيها بقوله: ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾، لأن الامتحان والتجربة يوجب مزاولة الأمر ومعالجته مرة بعد أخرى، وذلك يوجب التمرن فيه، والمتمرن مضطلع فيه، وفي المثل: "أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب"، فعلى هذا: مجاز الآية راجع إلى العباد، نحو قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧].
وثانيها: أنه من إطلاق السبب على المسبب، فإن الامتحان سبب المعرفة، وهو المراد من قوله: "لأن تحقق الشيء باختباره"، وهو لوجهين: أحدهما: أن اللام في "التقوى" صلة محذوف، وهو حال من المفعول، وهو ﴿قُلُوبَهُمْ﴾. وثانيها: أن تكون اللام للتعليل، والمعنى: وضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، وإثبات العلم هنا كإثباته في قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، قال: "وليعلمهم علمًا يتعلق به الجزاء"، ومن ثم عقبه بقوله: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، فتكون "أو ضرب الله" عطفًا على "عرف الله".


الصفحة التالية
Icon