ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثالثها: أن يكون تمثيلًا، شبة خلوص قلوبهم عن شوائب الكدورات النفسانية، وتصرع دواعيهم عن اللذات الشهوانية بعد طول المجاهدات ومقاساة المكابدات، بخلوص الذهب الإبريز الذي عرض على النار، ونقي من الخبث والزبد الذي يذهب جفاء.
قال الواحدي: "تقدير الكلام: امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى، فحذف "الإخلاص" لدلاله" الامتحان" عليه، ولهذا قال قتادة: أخلص الله قلوبهم".
وقلت: هذا الوجه أنسب؛ لأن الكلام وارد في مدح أولئك السادة الكرام، وفي التعريض ممن لسوا على وصفهم، ومن ثم قال في فاصلة الآية السابقة: ﴿وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾، واللاحقة: ﴿أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ فإن قلت: ذهبت في ما مر أن اختصاص "النبي" بالذكر في الآية الثانية لتبجيل جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر"رسوله" في الأولى لأجل الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة، فلم خولف ورجع في الثالثة إلى ما بدئ به؟
قلت: ليؤذن بأفضال الله في حق أولئك الكلمة، وتأديبه إياهم، وأنهم إنما غضوا أصواتهم عند رسول الله، ولم يرفعوا بها مثل أولئك؛ لأن الله زين باطنهم باكتساء لباس التقوى، حتى سرى إلى ظاهرهم بالتأدب بين يدي المولى، ومن أرسله إليهم وأكرمهم به، ومن ثم نسب ﴿امْتَحَنَ﴾ إلى الله تعالى، وجيء به ماضيًا، وأسند ﴿يَغُضُّونَ﴾ إليهم، وأتي به مضارعه دالًا به على الاستمرار، كأنه قيل: أن الذين دأبهم وعادتهم التأدب في حضرة الرسالة إنما


الصفحة التالية
Icon