فإن قلت: أفرق بين الكلامين؛ بين ما تثبت فيه وما تسقط عنه؟ قلت: الفرق بينهما: أنّ المنادي والمنادى في أحدهما يجوز أن يجمعهما الوراء، وفي الثاني: لا يجوز لأنّ الوراء تصير بدخول "من" مبتدأ الغاية، ولا يجتمع على الجهة الواحدة أن تكون مبتدأ ومنتهى لفعل واحد، والذي يقول: ناداني فلان من وراء الدار، لا يريد وجه الدار ولا دبرها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"يواريها عنك الشخص بطله": معناه: يخفيها ذو طلل بطلله. والجوهري: "واريت الشيء: إذا أخفيته، وتوارى هو: استتر، ووراء: بمعنى: خلف، وقد يكون بمعنى: قدام، وهي من الأضداد، قال الأخفش: يقال: لقيته من وراء، فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف".
قوله: (أفرق بين الكلامين): على الأمر، أي: أفرق بين كلام تثبت فيه"من" وكلام تسقط منه" من".
قوله: (أن المنادى في أحدهما يجوز أن يجمعها الوراء، وفي الثاني: لا يجوز) إلى آخره: هذا الفرق ظاهر، قال صاحب "التقريب": وفيه نظر؛ لأن المبتدأ والمنتهى: إما المنادى_ على ما هو التحقيق_ أو الجهة، فإن كان الأول جاز أن يجمعهما "لوراء" في إثبات "من" وفي إسقاطه؛ لتغاير المبتدأ والمنتهى، وإن كان الثاني فالجهة: إما ذات أجزاء أو عديمة الأجزاء، فإن كان الأول جاز أن يجمعهما في إثبات"من" أيضًا باعتبار أجزاء الجهة، وإن كان الثاني لم يجز أن يجمعهما؛ لا في إثبات"من" ولا في إسقاطه لاتحاد المورد، والتحقيق أن الفعل يبتدئ من الفاعل، وينتهي إلى المفعول، ويقع في الظرف، وأن "من وراء الحجرة" و"وراءها" كلاهما ظرف، كصليت من خلف الإمام وخلفه، ومن قبل اليوم وقبله، ومعنى الابتداء غير محقق، والفرق تعسف.


الصفحة التالية
Icon