ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيقال: لا بد من الفرق؛ صونًا لكلام الله من العبث، لاسيما قد في تقرر في أول البقرة عند قوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧]: أن صاحب المعاني يعتبر حروف الصلات، وينظر إلى مواقعها، ولا ارتياب أن"وراء" من الظروف المبهمة، فبدخول "من" يتعين له ابتداء، وهو من الأمور النسبية، فلا بد له من الانتهاء، وأن يكون المنتهى مكانًا غير المكان الذي نشأ منه النداء، وهو الجهة المسماة ب"الوراء"، إذ كل جزء من أجزائه يصدق أنه منشأ النداء، فجعل تلك الجهة نفس المنتهى يلزم أن يجتمع على الجهة الواحدة أن تكون مبتدأ ومنتهى.
وتحرير المعنى: أنه لو قيل: "ينادونك وراء الحجرات" لكان الغرض في الإيراد إنكار أنهم كانوا ينادونه وراء الحجرات، وفهم منه أنهم لو نادوه في غير تلك الجهة لم تكن منكرًا، ولكن الغرض في الإنكار أنهم كانوا ينادونه من الخارج، وهو في الحجرة، فأريد إنكار هذه الصورة المنكرة الواقعة خصوصًا، فزيد"من" لتدل على الابتداء والانتهاء، وأنهم خارجون، وهو_ صلوات الله عليه_ داخل، وإليه الإشارة بقوله: "والإنكار لم يتوجه عليهم من قبل أن النداء وقع" إلى آخره.
ونظيره ما سبق قبل هذا في قراءة ابن مسعود: "لا ترفعوا بأصواتكم فوق صوت النبي": أن في زيادة الباء الدلالة على النهي كما كانوا عليه من الجلبة، وسبق بيانه.
ويؤيده قول القاضي: " ﴿مِنْ﴾ ابتدائية، فإن المناداة نشأت من جهة الوراء، وفائدتها: الدلالة أن المنادي داخل الحجرة، إذ لا بد أن يخلف المبتدأ والمنتهى بالجهة".


الصفحة التالية
Icon