تهوينًا للخطب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلية له، وإماطة لما تداخله من إيحاش تعجرفهم وسوء أدبهم، وهلم جرًّا من أوّل السورة إلى آخر هذه الآية.
فتأمّل كيف ابتدأ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله متقدّمة على الأمور كلها من غير حصر ولا تقييد، ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم؛ من رفع الصوت والجهر، كأن الأوّل بساط للثاني ووطاء لذكره، ثم ذكر ما هو ثناء على الذين تحاموا ذلك، فغضوا أصواتهم؛ دلالة على عظيم موقعه عند الله، ثم جيء على عقب ذلك بما هو أطم، وهجنته أتم؛ من الصياح برسول الله ﷺ في حال خلوته ببعض حرماته من وراء الجدر، كما يصاح بأهون الناس قدرًا؛ لينبه على فظاعة من أجروا إليه وجسروا عليه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسول الله ﷺ ما كان يلحقه من الوحشة من سوءاتهم، فقيل له: هون عليك، واعف عنهم، فإن أكثرهم لا يعقلون، إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة، لا سيما لمن كان بهذا المنصب.
قوله: (تعجرفهم): الجوهري: "جمل فيه عجرفة: كأن فيه خرقًا وقلة مبالاة لسرعته".
الأساس: "في كلامه عجرفة وتعجرف، أي: جفوة".
قوله: (من غير حصر ولا تقييد): تفسير للحصر، أراد الإبقاء على الإطلاق، نحو: فلان يعطي ويمنع. وقد سبق بيانه في أول السورة.
قوله: (ما أجروا إليه): أي: سبقوا إليه، قال الحماسي:
هم قطعوا الأرحام بيني وبينهم وأجروا إليها واستحلوا المحارما
قال المرزوقي: "الإجراء يستعمل في المنكر المذموم، ومفعوله محذوف، كأنه قيل: أجروا فعلهم إليها".


الصفحة التالية
Icon