لأنّ من رفع الله قدره على أن يجهر له بالقول حتى خاطبه جلة المهاجرين والأنصار بأخي السرار، كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ من التفاحش مبلغًا، ومن هذا وأمثاله يقتطف ثمر الألباب، وتقتبس محاسن الآداب، كما يحكى عن أبي عبيد -ومكانه من العلم والزهد وثقة الرواية ما لا يخفى- أنه قال: ما دققت بابًا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه.
﴿أَنَّهُمْ صَبَرُوا﴾ في موضع الرفع على الفاعلية، لأنّ المعنى: ولو ثبت صبرهم. والصبر: حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها، قال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨]، وقولهم: صبر عن كذا، محذوف منه المفعول،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عن أبي عبيد): عن بعضهم: هو القاسم بن سلام الكوفي، وأبو عبيدة: معمر بن المثنى التيمي، كان أستاذًا لأبي عبيد.
قوله: (لأن المعنى: ولو ثبت صبرهم): قال القاضي: "المعنى: لو ثبت انتظارهم حتى تخرج، فإن "أن" دلت بما في حيزها على المصدر، ودلت بنفسها على الثبوت، ولذلك وجب إضمار الفعل".
قوله: (عن أن تنازع إلى هواها): الجوهري: "نزع إلى أهله ينزع نزاعًا، أي: اشتاق، وأنزع القوم: إذا نزعت إبلهم إلى أوطانها".
قوله: (صبر عن كذا): محذوف فيه المفعول، ويروى: "على كذا"، يقال: صبر عليه، أي: نفسه.


الصفحة التالية
Icon