وهو النفس، وهو حبس فيه شدّة ومشقة على المحبوس، فلهذا قيل للحبس على اليمين أو القتل: صبر. وفي كلام بعضهم: الصبر مرّ، لا يتجرّعه إلا حرّ.
فإن قلت: هل من فرق بين ﴿حَتَّى تَخْرُجَ﴾ و"إلى أن تخرج"؟ قلت: إنّ «حتى» مختصة بالغاية المضروبة، تقول: أكلت السمكة حتى رأسها، ولو قلت: حتى نصفها، أو صدرها: لم يجز، و «إلى» عامّة في كل غاية، فقد أفادت «حتى» بوضعها: أنّ خروج رسول الله ﷺ إليهم غاية قد ضربت لصبرهم، فما كان لهم أن يقطعوا أمرًا دون الانتهاء إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إن "حتى" مختصة بالغاية المضروبة): يعني: "حتى" نص في بيان الغاية، وبت للحكم، وأن لا رخصه لهم دون هذه الغاية، بخلاف"إلى" فإنها مطلقة تحتمل أمورًا، قال في قوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦]: "إلى: تفيد معنى الغاية مطلقًا، فأما دخولها في الحكم وخروجها: فأمر يدور مع الدليل".
قال صاحب"التقريب": "حتى: تختص بالغاية المضروبة، وإلى: عامة في كل غاية، لا يقال: أكلت السمكة حتى نصفها، ويقال: إلى نصفها، فإنها قال: ﴿حَتَّى تَخْرُجُ﴾ ليفيد أنه غاية، ليس لهم أن يقطعوا أمرًا دون الانتهاء إليها.
وبيانه: أن اختصاصها بالغاية المضروبة، أي: المعينة، معناه: أن ما بعد "حتى" داخل في حكم ما فبلها، فالرأس مأكول من قوله: "حتى رأسها"؛ إذ لو لم يكن مأكولًا، وانتهى الأكل قبله بجزء آخر سوى الرأس، لكان ذلك الجزء غاية، فلم تكن مختصة بهذه الغاية المضروبة، وهو خلاف وضعها، وأما "إلى" فلا تختص، بل قد يدخل ما بعدها، وقد لا يدخل، فقد تكون له غاية أخرى سوى ما بعد "إلى".


الصفحة التالية
Icon