وهذا من إيجازات القرآن ولمحاته اللطيفة، التي لا يفطن لها إلا الخواص. وعن بعض المفسرين: هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما بعد كلمة الاستدراك، وبالاستئناف بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ المفيد للتخصيص والتعريض بواسطة ضمير الفصل: ما حبب إلى بعضكم الإيمان؛ تغليظًا، لأن من تصدى لتزيين الرسول ﷺ في الإيقاع بقوم مؤمنين غافلين بريئين، وجسر على ارتكاب تلك العظيمة، لم يكن محبوبًا إليه الإيمان، ويقدر معنى قوله: ﴿حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ﴾: حبب إلى بعضكم، لأن من تصون من مثل تلك الهنات، ويزعه جده في التقوى عن ارتكابها، كان محبًا للإيمان، فكأنه قيل: ما حبب إلى بعضكم الإيمان، ولكن حبب إلى بعض آخر منكم الإيمان. وهذا أيضًا تفسير لقوله بعد هذا: "المغايرة مفقودة من حيث للفظ، حاصلة من حيث المعنى".
والذي يدل على التغليظ: التعريض بقوله: ﴿وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والْفُسُوقَ﴾ بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾، وإلى هذا المعنى أومأ الواحدي بقوله: " ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ أي: الرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿فِي كَثِيرٍ﴾ مما تخبرونه فيه بالباطل، لوقعتم في عنت، ثم خاطب المؤمنين الذي لا يكذبون، فقال: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ﴾ ".
قوله: (وعن بعض المفسرين: هم الذين امتحن الله قلوبهم): فيه إشارة إلى بيان النظم، يعني: كما رزق أولئك السعداء لزوم التأدب في حضرة الرسالة من خفض الصوت، أرشدوا إلى تصديق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى امتثال ما يقدم إليه، فيلزم من هذا أن الباقين هم الذين حرموا توفيق التأدب بحضرته، فوقعوا في العنت، فيكون قوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن ورَاءِ الحُجُرَاتِ﴾ الآيتين، كالاستطراد لحديث رفع الصوت.
وفيه: أن التأدب رأس الحسنات، وأساس الخيرات.


الصفحة التالية
Icon