وقوله: ﴿أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ -والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أولئك المستثنون هم الراشدون- يصدق ما قلته.
فإن قلت: ما فائدة تقديم خبر "أنَّ" على اسمها؟ قلت: القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجن الله منهم؛ من استتباع رأي رسول الله ﷺ لآرائهم، فوجب تقديمه لانصباب الغرض إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: أولئك المستثنون هم الراشدون، يصدق ما قلته): التاء في "ما قلته" خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أكثر النسخ: "يصدق ما قلته"، بضم التاء؛ خبر لقوله: "قوله"، وهو الوجه، يعني: دل ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ منطوقًا ومفهومًا على أن القوم فرقتان، وأن حكم التغاير في الوصف بمنزلة حكم التغاير في الذات، وأن بعد "لكن" بمنزلة المخصص لما قبله.
قوله: (القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين): قال صاحب "التقريب": وفيه نظر، لأن المقتضي للتوبيخ على استتباعهم رأيه: كونه رسولًا، لا كونه فيهم، فكان أولى بالتقديم، فلعل توجيهه: أن تقديم التوبيخ أهم، و ﴿فِيكُمْ﴾ من جملة كلام التوبيخ، لأن قوله: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ مع جوابه: حال من ﴿فِيكُمْ﴾، فتقديم جزء التوبيخ كتقديمه، لكن إنما يتمشى لو استقل أن ﴿فِيكُمْ﴾ مع الشرطية كلامًا، ولكن قوله: ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ عمدة جملة التوبيخ معنى وإعرابًا، فلا استبداد بدونه، فليتأمل.
وقلت: قد تقرر عند علماء البيان: أن في تقديم ما رتبته التأخير من جزء الجملة إيذانًا بأن الكلام فيه، لأنهم يقدمون الأهم، وهاهنا التوبيخ وإن كان واردًا على الجملة، على كونه رسولًا كما سبق، لكن في تقديم الظرف تتميم لذلك المعنى، واستبعاد له؛ لأن المعنى: أتستتبعون رأيه لرأيكم، وأنه رسول من الله، ومهبط وحيه، فكيف وهو مستقر فيكم، وأنتم بين يديه شاهدين مجلسه، ولستم غائبين كغيركم. نزلهم لذلك الفعل كأنهم اعتقدوا أنه غائب عنهم، فلو أخر ﴿فِيكُمْ﴾ لم يتفطن لتلك النكتة السرية، ولا يتفطن لأمثالها إلا أمثال المصنف.


الصفحة التالية
Icon