فإن قلت: فلم قيل: ﴿يُطِيعُكُمْ﴾ دون: أطاعكم؟ قلت: للدلالة على أنه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونه، وأنه كلما عنّ لهم رأي في أمر كان معمولًا عليه، بدليل قوله: ﴿فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ كقولك: فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، تريد: أنه مما اعتاده ووجد منه مستمرًّا.
فإن قلت: كيف موقع ﴿لكِنْ﴾ وشريطتها مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيًا وإثباتًا؟ قلت: هي مفقودة من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المتقدّم ذكرهم، فوقعت "لكنّ" في حاق موقعها من الاستدراك.
ومعنى "تحبيب الله" و"تكريهه": اللطف والإمداد بالتوفيق، وسبيله الكناية، كما سبق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما سبق): قيل: ما سبق هو قوله: "أن بعضهم كانوا نون، ويزعهم جدهم في التقوى"، ولعل هذا القائل ظن أن الكاف متعلق بقوله: "وسبيله الكناية"، وليس به؛ لأن هذا السابق ليس بكناية عن اللطف والإمداد والتوفيق، بل هو متصل بقوله: "حاصلة من حيث المعنى"، وما توسط بينهما تفسير لمعنى تحبيب الله، واعتراض بين المتعلق والمتعلق، ذلك أنه سأل: أن مقتضى "لكن" في هذا الكلام مفقود، وأجاب: أن مقتضاها حاصل من حيث المعنى، وأن ما بعدها موصوف بما يلزم منه مغايرة ما قبلها.
ومثل هذا المعنى سبق عند قوله: "ولكنه أغنت عن ذكر "البعض" صفتهم المفارقة لصفة غيرهم"، كما سبق شرحه قبيل هذا.
وأما بيان الكناية: فإن قوله: ﴿حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ﴾، ﴿وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والْفُسُوقَ﴾: لازمان للطف والتوفيق، كما أن محبه الكفر وكراهية الطاعة رديفان للخذلان، ومثل هذا المعنى ما سبق في الكلام، وعندنا إسناد المحبة والكراهية إلى الله حقيقة.


الصفحة التالية
Icon