وكل ذي لب وراجع إلى بصيرة وذهن لا يغبى عليه أن الرجل لا يمدح بغير فعله، وحمل الآية على ظاهرها يؤدّي إلى أن يثنى عليهم بفعل الله، وقد نفى الله هذا عن الذين أنزل فيهم: ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وكل ذي لب وراجع إلى بصيرة): هذا استدلال على أن المراد بتحبيب الإيمان وتزيينه في القلب وتكريه الكفر: اللطف والتوفيق كناية، لأنه تعالى خلق في قلوبهم الإيمان وكراهة الفسق تحقيقًا وتصريحًا بدليل عقلي، بل وجداني ضروري.
قال صاحب "التقريب": وما أثنى على المؤمنين بالتحبيب والتكريه، وهما فعل الله تعالى، ولا يمدح الرجل بفعل غيره، لأن مدحهم بوجود المحبب فيهم لا بالتحبيب، كما يصح المدح بالجمال والحسن.
الانتصاف: "ترك الزمخشري الحق لخيال اعتمده في الشاهد؛ أن الإنسان لا يمدح بفعل غيره، وأبطل ما صرحت به الآية من نسبة ذلك إلى الله وحده، وكيف تترك أدلة العقل وصريح النقل في قوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٦] وأمثاله، بقياس الغائب على المشاهد، فهذا تحريف لكتاب الله، فإن الله تعالى أعطى وأثنى، ومنح ومدح، ولا موجود إلا الله وصفاته وأفعاله بعضها محل بعض، فماذا يقول في ثناء الله على رسله باصطفائه لهم، أهو بها اكتسبوه، أو بما وهبهم فاتهبوه؟ فإن قال بالأول خرج عن الملة، وإن قال بالثاني فسلم الأمر".
وقال الإمام: "المعني بقوله: ﴿حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ وزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾: قربه إليكم، وأدخله في قلوبكم، ثم زينه فيها، بحيث لا تفارقونه، ولا يخرج من قلوبكم، ومن أحب شيئًا وطال لبثه فيه فقد يمل، والإيمان كل يوم يزداد فيه نشاطًا، بل كل من كانت عبادته أكثر، وتحمله لمشاق التكاليف أتم، كان ذلك عنده ألذ وأكمل، ولهذا قال في الأول: ﴿حَبَّبَ إلَيْكُمُ﴾، وفي الثاني: ﴿وزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾، كأنه قربه إليهم، ثم أقامه فيهم".


الصفحة التالية
Icon