فإن قلت: فإنّ العرب تمدح بالجمال وحسن الوجوه، وذلك فعل الله، وهو مدح مقبول عند الناس غير مردود؟ قلت: الذي سوّغ ذلك لهم أنهم رأوا حسن الرواء، ووسامة المنظر -في الغالب- يسفر عن مخبر مرضي وأخلاق محمودة، ومن ثم قالوا: أحسن ما في الدميم وجهه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: (قوله: "وحمل الآية على ظاهرها يؤدي إلي أن يثنى عليهم بفعل الله" بعيد عن المقام؛ لأن ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ وزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ غير وارد على المدح، بل على سبيل الامتنان، وأنه تعالى هو_ بفضله وكرمه_ اختصهم به ليحمدوه على ذلك الإنعام، لا أنه يمدحهم، ولذلك قرره بقوله: ﴿وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والْفُسُوقَ والْعِصْيَانَ﴾ على سبيل الطرد والعكس، ثم فرع عليه قوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ مدحًا وتعريضًا، فأثبت الخلق أولًا، وقرنه بالكسب ثانيًا، ومدحهم عليه.
قوله: (في الغالب يسفر عن مخبر مرضي): قيده ب"الغالب"، لئلا يرد نحو قول أبي الطيب:
وما الحسن في وجه الفتى شرفًا له.... إذا لم يكن في فعله والخلائق
ونظر حكيم إلى غلام حسن، فاستنطقه، فرآه بليدًا، فقال: نعم البيت لو كان فيه ساكن.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون: ٤]، قال: "شبهوا بالأصنام في حسن صورهم وقلة جدواهم". وروينا عن مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم"، والحق أن تلك الأخلاق الفاضلة يحدثها الله تعالى، ويزرعها أين شاء، كقوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: ٧ - ٨].


الصفحة التالية
Icon