ويجوز أن يكون عدة لرسول الله ﷺ بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم، إنّ الله عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك.
وعن قتادة: ﴿يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ﴾: ينسك القرآن ويقطع عنك الوحي، يعني: لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك، وقيل: ﴿يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ﴾: يربط عليه بالصبر، حتى لا يشق عليك أذاهم.
فإن قلت: إن كان قوله: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ﴾ كلامًا مبتدأ غير معطوف على ﴿يختم﴾، فما بال الواو ساقطة في الخط؟ قلت: كما سقطت في قوله تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ﴾ [الإسراء: ١١]، وقوله تعالى: ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ﴾ [العلق: ١٨]، على أنها مثبتة في بعض المصاحف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه): فإن قلت: لم خالف بين العبارتين، فجاء في الوجه الأول بـ"أو" حيث قال: "بوحيه أو بقضائه"، وفي الثاني بالواو حيث قال: "بالقرآن وبقضائه"؟ قلت: على الأول: الكلام تذييل وبيان لعادة الله الجارية في إثبات الحق ومحق الباطل فيما غبر من الزمان وفيما يترقب منه، وكان لا يخلو ذلك من أحد هذين الأمرين، وعلى هذا الوجه: عدة لحبيب الله صلوات الله عليه، والجملة حال مقررة لمزيد التوبيخ، والمقام اقتضى الجمع بينهما، لاسيما وقد تحقق في الواقع ذلك.
قوله: (إن كان قوله: ﴿ويَمْحُ اللَّهُ البَاطِلَ﴾ كلامًا مبتدأ): يعني: و ﴿يَخْتِمْ﴾ مجزوم جواب للشرط، ﴿ويَمْحُ﴾ أيضًا قد سقط منه الواو علامة الجزم، فيكون معطوفًا عليه، وأنت جعلته كلامًا مبتدأ؟ وأجاب: أن الواو ساقطة خطأ لا معنى، قال أبو البقاء: " ﴿يَخْتِمْ﴾ جواب للشرط، ﴿ويَمْحُ﴾ مرفوع مستأنف وليس من الجواب؛ لأنه يمحو الباطل من غير شرط، وسقطت الواو من اللفظ لالتقاء الساكنين، ومن المصحف حملًا على اللفظ".


الصفحة التالية
Icon