يعني: أنهم أحيوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتفانن.
أو من البغي؛ وهو البذخ والكبر، أي: لتكبروا في الأرض، وفعلوا ما يتبع الكبر من الغلو فيها والفساد. وقيل: نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى، قال خباب بن الأرت: فينا نزلت، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع، فتمنيناها.
﴿بِقَدَرٍ﴾ بتقدير، يقال قدره قدرًا وقدرًا، ﴿خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغني، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط، كما توجبه الحكمة الربانية، ولو أغناهم جميعًا لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا.
فإن قلت: قد نرى الناس يبغي بعضهم على بعض، ومنهم مبسوط لهم، ومنهم مقبوض عنهم، فإن كان المبسوط لهم يبغون، فلم بسط لهم؟ وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط، فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أحيوا)، الجوهري: "أحيا القوم؛ إذا صاروا في الحيا والخصب".
قوله: (التفاتن): وهو التقاتل والتهارج.
قوله: (وهو البذخ)، الجوهري: "البذخ: الكبر، وقد بذخ -بالكسر- وتبذخ: إذا تكبر وعلا".
قوله: (لا شبهة في أن البغي مع الفقر أقل): هذا الجواب متكلف، والسؤال قوي. وعلى ما فسرنا الآية عند قوله: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ [الشورى: ١٩]: السؤال غير وارد، والذي يشد من عضده هاهنا قول المصنف: "قيل: نزلت في قوم من أهل الصفة"، وعليه تفسير محيي السنة، وذكر أيضًا حديثًا طويلًا، وفي آخره: "وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك".


الصفحة التالية
Icon