وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة: "تتفطرن" بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر، روي في "نوادر" ابن الأعرابي: "الإبل تشممن". ومعناه: يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه مجيئه بعد ﴿الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾. وقيل: من دعائهم له ولدًا، كقوله تعالى: ﴿تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ [مريم: ٩٠].
فإن قلت: لم قال: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾؟ قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة: فوق السماوات، وهي: العرش، والكرسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قراءة غريبة): لأن جمع المؤنث الغائب إنما يكون بالياء التحتانية لا بالتاء، قال: "الوجه في مثل هذا تأكيد التأنيث، كتأكيد الخطاب في قولك: أرأيتك؟ وقال: الشاذ على وجوه: شاذ عن القياس، وشاذ عن الاستعمال مع موافقة القياس، وشاذ عنهما جميعًا، وهذا من قبيله".
قوله: (يدل عليه مجيئه بعد ﴿العَلِيُّ العَظِيمُ﴾): يعني: قوله: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أن معناه: أن السماوات يتفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه أن الآية بجملتها مبنية لمعنى العظمة والعلو في قوله: ﴿وهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ﴾، ولذلك ترك العاطف. وثانيهما: أن المعنى: تكاد السماوات يتفطرن من دعائهم له ولدًا وشريكًا، كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧ - ٩١]، يؤيده مجيء قوله: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ بعده.
وأما إيراد قوله: ﴿وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، فلأنهم استوجبوا بمقالتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبًا، ولكن صرف ذلك عنهم؛ لأنه غفور رحيم يمهل ولا يعاجل، كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٦]، وعلى هذا: الآية واردة للتنزيه بعد إثبات المالكية التامة والعظمة والكبرياء.