..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونصب ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ بفعل مضمر أي: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، ويدل عليه: ﴿وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ هذا هو المعنى المقصود الذي نص عليه ابن الحاجب، ويؤيده ما روينا، عن الإمام أحمد بن حنبل ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، قال: جاء مشرك قريش يخاصمون رسول الله ﷺ في القدر، فنزلت: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.
وتحريره والله الموفق للصواب: أنه تعالى افتتح هذه السور الكريمة ببيان تكذيب المشركين رسول الله ﷺ وما جاء به من الآيات الباهرة المتوالية، مثل انشقاق القمر وغيره، يدل عليه قوله تعالى: ﴿وإن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾، وأشار إلى أن تكذيبهم لم يكن إلا لمجرد متابعة الهوى، وتسويل الشيطان، ثم قص أحوال الأمم وتكذيبهم الأنبياء، ووخامة عاقبتهم وسوء خاتمة أمرهم، مهددًا أو مسليًا، ثم عاد إلى التقريع، والإجمال بعد التفصيل، قائلًا: أكفاركم خير من أولئكم الكفار المعدودين، يعني: أنتم أشد قوة ومكانة، أم هم؟ ثم أضرب عنه بقوله: ﴿أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾ يعني: يا أهل مكة، أنزلت براءة لكم في الزبر المتقدمة أن من كفر منكم وكذب الرسل ليس له أسوة بالأمم السالفة في الدمار والهلاك؟ أم تزعمون أنكم يد واحدة على من يخالفكم؟ فتنتصرون ممن عاداكم؟ وليس كذلك، لأن سنة الله جارية بالانتصار من المكذبين، والانتقام للمرسلين، وعن قريب سنفرغ لكم ونجعل يدكم الواحدة أيادي ونهزم جمعكم، ونستأصل شأفتكم، والموعد الأكبر الساعة، والساعة أدهى وأمر.
ولما تضمنت الآيات معنى ادعاء القدرة والقوى لأنفسهم، والوعيد بالإهلاك عاجلًا وآجلًا، والوعد للمؤمنين بالانتصار منهم، جيء بقوله: ﴿إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، توكيدًا للوعد والوعيد، يعني: أن هذا الوعد حق، وصدق الموعد والموعود مثبت في اللوح، مقدر


الصفحة التالية
Icon