قضاياه، ومتنزل أوامره ونواهيه، ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه.
﴿ووَضَعَ المِيزَانَ﴾ وفي قراءة عبد الله: (وخفض الميزان). وأراد به كل ما توزن به الأشياء، وتعرف مقاديرها؛ من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس، أي خلقة موضوعا مخفوضا على الأرض: حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم، وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم.
﴿أَلاَّ تَطْغَوْا﴾: لئلا تطغوا. أو هي (أن) المفسرة. وقرأ عبد الله: (لا تطغوا) بغير (أن) على إرادة القول.
﴿وأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾: وقوموا وزنكم بالعدل، ﴿ولا تُخْسِرُوا المِيزَانَ﴾ ولا تنقصوه؛ أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: الظاهر أن يعطف على جملة قوله: ﴿الشَّمْسُ والْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ ليؤذن بأن الأصل أجرى الشمس والقمر، وأسجد النجم والشجر، فعدل إلى معنى دوام التسخير والانقياد في الجملتين الأوليين، ومعنى التوكيد في الأخيرة، فدل الاختلاف في الأخبار المتوالية لـ ﴿الرَّحْمَنُ﴾ على معان تبهر ذا اللب.
قوله: (ونبه بذلك) أي: برفع السماء المنبئ عن هذه المعاني.
قوله: (حيث علق به أحكام عباده)، قال أولًا: "حيث جعلها منشأ أحكامه"، ليشير به إلى تعليل وصف السماء بالرفع، وقال ثانيًا: "حيث علق به أحكام عباده" تعليلًا لوصف الميزان بالخفض والوضع، فالمعنى: أنزل من السماء الكتاب وأمر فيه بالقسط والحكم بالعدل في كل شيء، والتجافي عن الجور، وجعل معياره في الأرض الموازين ليقوموا فيه بالقسط ظاهرًا وباطنًا، ولهذا السر وصف الميزان بالقسط في قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ [الأنبياء: ٤٧]؟