اليوم نفوس كثيرة يكذبنها، يقلن لها: لن تكوني. أو هي من قولهم: كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم: إذا شجعته على مباشرته وقالت له: إنك تطيقه وما فوقه، فتعرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحج، ثم استأنف بقوله: اقصد الحج، فشبه إيجاب الحج عليه بسبب تهيؤ أسبابه ووجوب استطاعته، ثم تقاعده عنه، كأنه يقول: لم يجب عليك الحج، فقيل: كذب، عليك الحج، على سبيل التأكيد، كذلك من يباشر ما ينافي الرجوع إلى الله، ويتمادى في الغفلة والاشتغال بالدنيا مع ظهور الدلائل الساطعة على مجيء القيامة، كأنه يقول لها: لن تكوني.
قوله: (أو هي من قولهم: كذبت فلانًا نفسه في الخطب العظيم: إذا شجعته) وإنما خص في الدنيا لمن لتماديهم في العناد أو في الغفلة، ولأن بانتفاء نفي غير المؤكد في الآخرة، ينتفي المؤكد بالطريق الأولى، بخلاف إثبات نفي المؤكد في الدنيا، فإنه لا ينتفي غير المؤكد.
وقال في "الفائق": المراد بالكذب الترغيب والبعث، من قولهم: كذبته نفسه، إذا منته الأماني وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون، وذلك ما يرغب الرجل في الأمور، وبعثه على التعرض لها. ويقولون في عكس ذلك: صدقته، إذا ثبطته، وخيلت إليه المعجزة والنكد في الطلب، وهو من باب التجريد؛ جرد من نفسه شخصًا وهو يحاوره، كقول القائل:
أقول لها وقد جشأت وجاشت.... مكانك تحمدي أو تستريحي
وأنشد الميداني للبيد:
واكذب النفس إذا حدثتها.... إن صدق النفس يزري بالأمل
أي: لا تحدث نفسك بأنك لا تظفر، فإن ذلك يثبطك.