لا يتماسك، جمع على فعل كسحاب وسحب، ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض. والمعنى: أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل؛ فإذا ملؤا منه البطون يسلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم، فيشربونه شرب الهيم.
فإن قلت: كيف صح عطف الشاربين على الشاربين، وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكارن عطفا للشيء على نفسه؟
قلت: ليستا بمتفقتين، من حيث إن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء: أمر عجيب أيضا، فكانتا صفتين مختلفتين.
النزل: الرزق الذي يعد للنازل تكرمه له، وفيه تهكم، كما في قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران] وكقول أبي الشعر الضبي:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا.... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وقرئ: (نزلهم) بالتخفيف.
[{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: لما اعتبر معنى السيلان فيه كالمائع، جعل مشروبًا تهكمًا، ألا ترى كيف قال: "هو الرمل الذي لا يتماسك".
قوله: (ما فعل بجمع أبيض) الجوهري: جمع الأبيض: بيض، وأصله: بيض بضم الباء، نحو أحمر حمر، وإنما أبدلوا من الضم كسرة لتصح الياء.
قوله: (وكنا إذا الجبار) البيت، الجبار: الذي لا يقبل موعظة، والعاتي: على ربه أيضًا.
قوله: (ضافنا)، أي: نزل ضيفًا، يقول: إذا الملك الجبار ضافنا، جعلنا نزله من الرماح والسيوف، وفيه تهكم.