بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤية أنه كان يقول: خير، لمن قال له: كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه، وتساوي حالي حذفه وإثباته لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس:
حتى إذا الكلاب قال لها..... كاليوم مطلوبا ولاطلبا
وحذفه "لم أر" فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما؛ على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه. ويجوز أن يقال: إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب، للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن التقدير: إذا حذفت بعدما صارت علمًا فلا بأس به، لأن الشيء إذا علم وشهر موقعه لم يبال بإسقاطه.
قوله: (حتى إذا الكلاب) البيت، المعنى: لم أر مطلوب أراه اليوم، قدمت الصفة وهي "مثل مطلوب" أراه اليوم على الموصوف الذي هو "مطلوبًا"، فصار حالًا، ثم وضع الكاف موضع المثل فصار كما ترى! قال: ذلك حين كان الثور الوحشي يجد في الهرب من كلاب الصيد، وهو الذي يغري الكلب على الصيد، متعجبًا، أي: ما رأى ولا شاهد مطلوبًا مثل هذا الثور من شدة الفرار، ولا طالبًا مثل هذا الكلاب من شدة العدو. وطلبًا جمع طالب، كخادم وخدم.
قوله: (على أن تقدم ذكرها) أي: ذكر اللام في قوله: ﴿لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾.
قوله: (للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد)
وقلت: ولذلك رتب على أمر المطعوم قوله: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾


الصفحة التالية
Icon