ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعد أن تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى أمر المشروب قوله: ﴿فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾، والأول أدل على التوبيخ والتعبير على كفران النعم، لمجيئه إخباريًا مفصلًا فيه تصوير خيبتهم وتحسرهم.
روى الواحدي عن أبي عمرو والكسائي: ﴿تَفَكَّهُونَ﴾: هو التلهف على ما فات، ويقولون: إننا لمغرومون، أي: إنا قد غرمنا الذي بذرنا، فذهب من غير عوض، بل نحن محرومون مما كنا نطلبه من الريع في الزرع.
وأما المعنى الثاني فتقريره: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾، أي: شديد الملوحة كما البحر، فهلا تشكرون أن جعلناه عذبًا؟
وأما الراغب بعد أن فسر ﴿فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ بهذا، فقد جعله مقابلًا لقوله: ﴿فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾، حيث قال: إنما قدم قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾، ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾، لأن الأولى هو خلق الإنسان من فائدة الحرث، وهو الطعام الذي لا يستغني عنه الجسد الحي، وذلك الحب الذي يختبز، فيحتاج بعد حصوله إلى حصول الماء فيعجن ثم إلى النار تعده خبزًا. فإن قيل: فقد قال في الأول: ﴿فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ وفي الثاني: ﴿فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾، فما الفائدة؟ قلنا: تنبيه على البعثة والإعادة، فحمل على التذكر ليتفكر في البدء، وليثبت الإعادة، وأما ﴿فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾، فإنه بعد قوله: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ أي: شديد الملوحة كماء البحر، فلولا تشكرون أن جعله عذبًا. فكل مكان لاق به ما ذكر. ذكره في "غرر التأويل".
وقلت: لو كان مقابلًا لقوله: ﴿فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ لكان اللائق أن يذكر بعد ذكر النار على ما رتب الكلام.


الصفحة التالية
Icon