﴿مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها، وخولكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله، وليهن عليكم الإنفاق منها، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه. أو ﴿جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ﴾ ممن كان قبلكم فيما في أيديكم: بتوريثه إياكم، فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم، وسينتقل منكم إلى من بعدكم؛ فلا تبخلوا به، وانفعوا بالإنفاق منها أنفسكم.
﴿لا تُؤْمِنُونَ﴾ حال من معنى الفعل في"ما لكم"، كما تقول: ما لك قائمًا، بمعنى: ما تصنع قائمًا، أي: وما لكم كافرين بالله. والواو في ﴿والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾ واو الحال، فهما حالان متداخلتان. وقرئ: (وما لكم لا تؤمنون بالله ورسوله والرسول يدعوكم). والمعنى: وأي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه، ويتلو عليكم الكتاب الناطق بالبراهين والحجج،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرفوع ليدل على استقلال كل فقرة صدرت به على سبيل استبدادها تعليلًا، وما ترك فيه العاطف جعل الرابط معنويًا، وهو الاستئناف.
قوله: (ويتلو عليكم الكتاب الناطق بالبراهين)، فسر ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ به ليجمع بين دليلي النص القاطع، والعقل الهادي، لأن المراد بقوله: ﴿وقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ ما ركب فيهم من العقول، فقوله: "وقبل ذلك" مؤذن بأن قوله: ﴿وقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾، حال من الضمير المنصوب في ﴿يَدْعُوكُمْ﴾، ويحتمل العطف على الجملة برأسها، فيكون حالًا معطوفة على مثلها لا متداخلتان، فلا يقدر "قبل ذلك"، أي: ما لكم لا تؤمنون بالله والحال هذه وهذه، ويكون تقديم دليل السمع على العقل لشرفه والتعويل عليه كما سبق مرارًا.