وقبل ذلك قد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان: حيث ركب فيكم العقول، ونصب لكم الأدلة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما قوله: "بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم"، فمخالف لهذا لأنه مبني على مذهبه، وعلى التقدير الذي قدره، وينصر ما ذكرنا من أن التعويل على الدليل السمعي، وأنه هو الهادي المرشد، والعقلي تابع، تعقيب الآية بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ﴾ امتنانًا وتقريرًا للاهتمام، وأنه لولاه لما حصل الإيمان، وفي قوله: "ليخرجكم الله بآياته من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان"، إشارة إلى هذا المعنى.
قوله: (حيث ركب فيكم العقول) الانتصاف: ولا عليه أن يحمل العهد على حقيقته، وهو المأخوذ يوم الذر، وكل ما أجازه العقل وورد بها لشرع وجب الإيمان به.
وقال محيي السنة: أي أخذ ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه. قال مجاهد: وقيل: أخذنا ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقلت: يمكن أن يقال إن الضمير في "أخذ" إن كان لله تعالى، فالمناسب أن يراد بالميثاق ما دل عليه قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ إلى آخره [البقرة: ٣٨]، لأن المعنى: "فإما يأتينكم مني هدى برسول أبعثه إليكم، وكتاب أنزله عليكم" كما صرح المصنف في تفسيره، يدل على الأول قوله: ﴿والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا﴾ وعلى الثاني: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ﴾ إن كان للرسول ﷺ فالظاهر أن يراد بالميثاق ما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] على أن يضاف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق عليه، أي: الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم، وهو الوجه لأن الخطاب مع الصحابة


الصفحة التالية
Icon