فإن قلت: فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح.
قلت: المراد: الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله، ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغي الملهي عن الشكر؛ فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه، مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر، فلا بأس بهما.
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ كأنه قال: لا يحب الذين يبخلون، يريد: الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالًا وحظًا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم وعظمه في عيونهم: يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به، ولا يكفيهم أنهم بخلوا حتى يحملوا الناس على البخل ويرغبوهم في الإمساك ويزينوه لهم، وذلك كله نتيجة فرحهم به، وبطرهم عند إصابته، ﴿ومَن يَتَوَلَّ﴾ عن أوامر الله ونواهيه، ولم ينته عما نهي عنه من الأسى على الفائت، والفرح بالآتي: فإن الله غني عنه. وقرئ: (بالبخل)، وقرأ نافع: ﴿فَإنَّ اللَّهَ الغَنِيُّ﴾، وهو في مصاحف أهل المدينة والشام كذلك.
[﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ والْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ ومَنَافِعُ لِلنَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ورُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ٢٥]
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا﴾ يعني الملائكة إلى الأنبياء، ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالحجج والمعجزات ﴿وأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ﴾ أي: الوحي، ﴿والْمِيزَانَ﴾.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾) أي: بدل الكل، لأنهما واقعان تذييلًا لقوله: ﴿ولا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ لأن من شأن الفرح أن يكون مختالًا فخورًا، ولذلك فسر ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ بـ"الذين يفرحون الفرح المطغي"، وقال بعده: "وذلك كله نتيجة فرحهم به وبطرهم عند إصابته".


الصفحة التالية
Icon