روي أن جبريل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال: مر قومك يزنوا به، ﴿وأَنزَلْنَا الحَدِيدَ﴾ قيل: نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد: السندان، والكلبتان، والميقعة، والمطرقة، والإبرة. وروى: ومعه المر والمسحاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: أنزل الحديد، والنار، والماء، والملح".
وعن الحسن: ﴿وأَنزَلْنَا الحَدِيدَ﴾: خلقناه، كقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ﴾ [الزمر: ٦٠]، وذلك أن أوامره تنزل من السماء وقضاياه وأحكامه.
﴿فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ﴾ وهو القتال به ﴿ومَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم، فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها؛ أو ما يعمل بالحديد ﴿ولِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ورُسُلَهُ﴾ باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والميقعة)، النهاية: في حديث ابن عباس: نزل مع آدم عليه السلام والميقعة والسندان والكلبتان، والميقعة: المطرقة التي يضرب بها الحديد وغيره، والجمع المواقع، والميم زائدة، والياء بدل من الواو قلبت لكسرة الميم.
وقيل: المر: البيل الذي يعتمل به، وفي البيل قال: البيل وإن جمع أبيالًا وبيلة، فإنه ليس بعربي، وعربية المر، وقيل: يراد بالمر الحبل شامل، وقيل: نزل آدم بالباسنة، وهي اسم جامع لهذه الأشياء.
قوله: (وذلك أن أوامره تنزل من السماء وقضاياه وأحكامه) هذا تعليل لصحة استعمال "أنزلنا" في المعاني الثلاثة، والمراد بالأوامر: الخطاب المشتمل عليها الكتاب، وبالقضايا والأحكام ما هي منوطة بالميزان واستعمال الحديد.
قوله: (﴿ولِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ورُسُلَهُ﴾ باستعمال السيوف)، ظاهرة مشعر بأن "ليعلم" عطف على علة محذوفة متعلقة بقوله: ﴿وأَنزَلْنَا الحَدِيدَ﴾ أي: أنزلناه ليستعمله المكلف في الجهاد في سبيل الله، ونصرة دينه، وليعلم الله من ينصره، قال في قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] أي: "فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت، وليعلم".


الصفحة التالية
Icon