وركبان، وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر، تقديره: وابتدعوا رهبانيةً، ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾ يعني: وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ لم نفرضها نحن عليهم ﴿إلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ استثناء منقطع، أي: ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ كما يجب على الناذر رعاية نذره؛ لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يريد: أهل الرحمة والرأفة الذين اتبعوا عيسى ﴿وكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ الذين لم يحافظوا على نذرهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال: رهبوت خير من رحموت، والرهبانية غلو في تحمل الرهبة، والرهبان يكون واحدً وجمعًا.
قوله: (لم نفرضها نحن عليهم) وعن أبي داود عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: "لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد الله عليكم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم".
وروينا عن مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
قال صاحب "جامع الأصول": محدثات الأمور: ما لم يكن معروفًا في كتاب ولا سنة ولا إجماع. الابتداع: إذا كان من الله وحده فهو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، وهو تكوين الأشياء بعد ما لم تكن، فليس ذلك إلا إلى الله تعالى، فأما الابتداع من المخلوقين، فإن كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله، فهو في حيز الذم والإنكار، وإن كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه أو رسوله، فهو في حيز المدح وإن لم يكن مثاله موجودًا كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهذا فعل من الأفعال المحمودة لم يكن الفاعل


الصفحة التالية
Icon