قلت: اختلف في ذلك، فعند أبي حنيفة: أنه لا فرق بين الكفارات الثلاث في وجوب تقديمها على المساس، وإنما ترك ذكره عند الإطعام، دلالةً على أنه إذا وجد في خلال الإطعام لم يستأنف كما يستأنف الصوم إذا وقع في خلاله، وعند غيره: لم يذكر للدلالة على أن التكفير قبله وبعده سواء.
فإن قلت: الضمير في ﴿أَن يَتَمَاسَّا﴾ إلام يرجع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنما ترك ذكره عند الإطعام، دلالة على أنه إذا وجد في خلال الإطعام يستأنف كما يستأنف الصوم)، الانتصاف: يقال له: إذا جعلت ذكر التماس في بعضها، وترك ذكره في بعضها موجبًا للفرق، فلم جعلته مؤثرًا في أحد الحكمين دون الآخر؟ وله أن يقول: اتفقنا على التسوية بين الثلاث في هذا الحكم، وقد نطقت الآية بالتفرقة، فلم يمكن صرفه إلى ما وقع الاتفاق على التسوية فيه، صرفه إلى الآخر.
فإن قيل: فكان تقييده بالتماس في موضع واحد، ليحمل عليه المطلقان الباقيان كافيًا، فما فائدة ذكره بعد الصوم؟
والجواب: أن ذكره مع العتق يفيد تحريم الوطء قبله، ولا يتصور الوطء في أثناء العتق، إذ لا يتبعض ولا يتفرق، وإنما احتيج إلى الصيام الواقع على التوالي ليفيد تحريم الوطء قبل الشروع وبعد الشروع إلى التمام، ولو لم يذكر لذهب الوهم إلى تحريمه قبل الشروع خاصة، واستغني عن ذكره في الطعام بذكره في الصيام، لأنه مثله في التعدد والتوالي، وإمكان الوطء في خلاله، هذا على أن العتق لا يتجزأ، وعن ابن القاسم: من أعتق شقصًا من عبد يملك جميعه ثم إن أعتق بقيته عن الكفارة جاز، وهو خلاف القواعد.
فإن قيل: ارتفاع التحريم بالكفارة بعد التماس إما يشترط فيه عدم التماس أولًا، فإن كان الأول فلا يرتفع التحريم بالكفارة، وإن كان الثاني لزم ارتفاع التحريم بالكفارة التي يتخللها التماس.


الصفحة التالية
Icon