وتوبيخًا وتشهيرًا بحالهم، يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار، لما يلحقهم من الخزي على رؤوس الأشهاد، ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ أحاط به عددًا لم يفته منه شيء، ﴿ونَسُوهُ﴾ لأنهم تهاونوا به حين ارتكبوه، لم يبالوا به لضراوتهم بالمعاصي، وإنما تحفظ معظمات الأمور.
[﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ ولا أَدْنَى مِن ذَلِكَ ولا أَكْثَرَ إلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ٧]
﴿مَا يَكُونُ﴾ من (كان) التامة، وقرئ بالياء والتاء، والياء على أن النجوى تأنيثها غير حقيقي و ﴿مِن﴾ فاصلة؛ أو على أن المعنى ما يكون شيء من النجوى، والنجوى: التناجي، فلا تخلو إما أن تكون مضافةً إلى ثلاثة، أي: من نجوى ثلاثة نفر. أو موصوفةً بها، أي: من أهل نجوى ثلاثة، فحذف الأهل. أو جعلوا نجوى في أنفسهم مبالغةً، كقوله تعالى: ﴿خَلَصُوا نَجِيًّا﴾ [يوسف: ٨٠] وقرأ ابن أبي علبة: (ثلاثةً وخمسةً)، بالنصب على الحال بإضمار"يتناجون"؛ لأن ﴿نَجْوَى﴾ تدل عليه، أو على تأويل ﴿نَجْوَى﴾ ب"متناجين"، ونصبها من المستكن فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنما تحفظ معظمات الأمور)، بيان لتعليل ﴿نَسَوْهُ﴾ بقوله: "لأنهم تهاونوا به".
قوله: (﴿مَا يَكُونُ﴾، من "كان" التامة، وقرئ بالياء والتاء)، قال ابن جني: بالتاء: أبو جعفر وأبو حية، والتذكير الذي عليه العامة هو الوجه، لما فيه من الشياع وعموم الجنسية، كقولك: ما جاءني من امرأة، وما حضرني من جارية، وأما التأنيث فلاعتبار اللفظ، كما تقول: ما قامت امرأة ولا حضرت جارية، و ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ﴾.
قوله: (ونصبها)، بالجر عطف على "تأويل"، أو بالرفع فهو مبتدأ، خبره "من المستكن"،


الصفحة التالية
Icon