وإنما وعدهم الله العذاب المهين المخزي لكفرهم وصدهم، كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ [النحل: ٨٨]. ﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ من عذاب الله ﴿شَيْئًا﴾ قليلًا من الإغناء. وروي أن رجلا منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسها وأموالنا وأولادنا. ﴿فَيَحْلِفُونَ﴾ لله تعالى على أنهم مسلمون في الآخرة ﴿كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ في الدنيا على ذلك، ﴿ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ من النفع، يعني: ليس العجب من حلفهم لكم، فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر، وأن لهم نفعًا في ذلك: دفعًا عن أرواحهم، واستجرار فوائد دنيوية، وأنهم يفعلونه في دار لا يضطرون فيها إلى علم ما يوعدون، ولكن الغجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة مع عدم النفع والاضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرسل، والمراد: وصفهم بالتوغل في نفاقهم ومرونهم عليه، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل، كما قال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨].
وقد اختلف العلماء في كذبهم في الآخرة، والقرآن ناطق بثباته نطقًا مكشوفًا كما ترى هذه الآية وفي قوله تعالى: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٣ - ٢٤] ونحو حسبانهم أنهم على شيء من النفع إذا حلفوا استنظارهم المؤمنين ليقتبسوا من نورهم، لحسبان أن الإيمان الظاهر مما ينفعهم.
وقيل: عند ذلك يختم على أفواههم.
﴿أَلا إنَّهُمْ هُمُ الكَاذِبُونَ﴾ يعني أنهم الغاية التي لا مطمح وراءها في قول الكذب،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يضطرون فيها إلى علم ما يوعدون)، يعني: أنهم في الدنيا إذا أوعدوا بشيء من العذاب لا يقفون على حقيقته ضرورة، بخلافه في الآخرة.
قوله: (ومرونهم عليه)، الجوهري: مرن على الشيء يمرن مرونًا ومرانةً: تعوده واستمر عليه.
قوله: (لحسبان أن الإيمان)، علة لحسبانهم أنهم على شيء.