وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته، والتوصية بالتصلب في مجانية أعداء الله ومباعدتهم والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم، وزاد ذلك تأكيدًا وتشديدًا بقوله: ﴿ولَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ وبقوله: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ﴾ وبمقابلة قوله: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ [المجادلة: ١٩] بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من موالاة أوليا الله ومعاداة أعدائه، بل هو الإخلاص بعينه. ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ﴾ أثبته فيها بما وفقهم فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإليه أشار بقوله: "حقه أن يمنع ولا يوجد بحال مبالغة". ويجوز أن يكون من باب الكناية، فنفى الوجدان لانتفاء الموجودين، كما نفى العلم في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ﴾ [يونس: ١٨] الانتفاء المعلوم، ولأن الخطاب عام، كأنه قيل: أيها المخاطب، إنك إذا تقصيت في الدنيا قومًا قومًا، لا تجد قومًا يجمع بين الإيمان بالله، وبين موادة أعدائه.
قوله: (﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ﴾، أثبته فيها بما وفقهم فيه)، جعل الكتب بمعنى الإثبات بسبب توفيق الطاعات وقيامهم عليها، قال القاضي: وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان، لأن أعمال الجوارح لا تثبت فيها.
قلت: وقد نقلنا عن "شرح السنة" أن مذهب السلف الصالح أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فمعنى الآية أن يقال: إن ذكر القلب وثبوت الإيمان ها هنا، كذكره وثبوت الإثم فيه في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] لأنه رئيس الأعضاء، وحصول الإيمان فيه كحصوله في سائر الجسد، لأنه المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ولا ارتياب أن رسوخ الإيمان في القلب إنما يكون بآداب الجوارح في الأعمال الصالحة ومواظبتها عليها، ألا ترى كيف أتى باسم الإشارة بعد أن وصف القوم