وعن عكرمة: من شك أن المحشر هاهنا- يعني الشام- فليقرأ هذه الآية. وقيل: معناه أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم؛ لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا﴾ لشدة بأسهم ومنعتهم، ووثاقة حصونهم، وكثرة عددهم وعدتهم، وظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله ﴿فَأَتَاهُمُ﴾ أمر الله ﴿مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم: وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرة على يد أخيه، وذلك مما أضعف قوتهم وفل من شوكتهم، وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب، وألهمهم أن يوافقوا المؤمنين في تخريب بيوتهم ويعينوا على أنفسهم، وثبط المنافقين الذين كانوا يتولونهم عن مظاهرتهم. وهذا كله لم يكن في حسبانهم. ومنه أتاهم الهلاك.
فإن قلت: أي فرق بين قولك: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: معناه أخرجهم)، عطف على قوله: "أخرج الذين كفروا عند أول الحشر"، على الأول منسوب إلى اليهود، وعلى الثاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النهاية: في الحديث: "انقطعت الهجرة إلا من ثلاث؛ جهاد أو نية أو حشر" أي: جهاد في سبيل الله، أو نية يفارق بها الرجل الفسق والفجور إذا لم يقدر على تغييره، والحشر هو الجلاء عن الأوطان بما ينال الناس من الخطب، وقيل: أراد بالحشر الخروج في النفير إذا عم.
قوله: (غرة)، الأساس: الغرة: الغفلة، يقال: اغتررت الرجل: إذا طلبت غرته، أي: غفلته.